أثارت مصادقة المجلس الحكومي الأخير على مرسوم أعده وزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، محمد مبديع، يسمح للوزراء بالتعاقد لمدة سنتين مع طالبي الشغل في الإدارة المغربية، جدلا واسعا داخل الأوساط المجتمعية والأكاديمية المغربية، حول خلفيات هذا القانون الجديد.
وتعود أسباب الجدل القائم في المملكة حول المرسوم المذكور إلى قراءات تحذر من كون هذا النوع من التعاقد اختارته الدولة كآلية للتخلي عن جزء من وظيفتها، المرتبطة أساسا بالوظيفة العمومية، لصالح نوع جديد من التعاقد الذي لن يترتب عنه، في جميع الأحوال، ترسيم الأعوان المتعاقدين مع الإدارة.
الدكتور حفيظ أدمينو، أستاذ القانون الإداري والمالية العمومية بجامعة محمد الخامس بالرباط، يرى أن هذا النوع من التعاقد، الذي يدخل ضمن سلسلة إجراءات إدارية أخرى، "سيفكك لا محال نظام الوظيفة العمومية في المغرب"، معتبرا هذا النموذج "يؤسس لمجموعة من السمات، وفي مقدمتها تراجع الدولة عن المجالات الاجتماعية".
وأضاف الأستاذ الجامعي ذاته أن النموذج المذكور هدفه "تقليص العجز الناتج عن الخدمات العمومية، وبالتالي تراجع الدولة لصالح القطاع الخاص عن مجموعة من الخدمات المجانية"، مسجلا أن "مجموعة من القرارات التي تتخذها الحكومة في علاقتها بالإصلاح الإداري لا يجب وضعها بمعزل عن سياق عام مرتبط أساسا بنوع من التغيير الهادئ الذي يأتي بإيعاز من المنظمات الدولية المعنية بالحكامة، والتي تدفع المغرب إلى اختيارات على المستوى الإداري، على غرار الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية".
أدمينو قال إن توجه الدولة إلى تفويض الخدمات الإدارية للقطاع الخاص طبقته في عدد من القطاعات الحكومية، ضاربا المثال بوزارة التجهيز والنقل على مستوى البطاقة الرمادية أو رخص السياقة، ليشير إلى أن "بعض القطاعات الحساسة لم تستطع الدولة إلى الآن تفويضها، رغم أن هناك ضغطا قويا من قبل المنظمات الدولية لتقليص مجالات تدخلها، التي يمكن أن يقوم بها الخواص".
"في المغرب يلاحظ أن القاعدة القانونية تسبق السلوك، ومنها مراجعة النظام الأساسي للوظيفة العمومية وإعادة الانتشار والتعاقد كآليات جديدة"، يقول الأكاديمي المغربي ذاته، موضحا أن "هذا الدفع يصطدم بنظام تقليدي مرتبط أساسا بالمحدد المخزني المستمد من الثقافة المخزنية المرتبطة بالولاء والطاعة داخل الإدارة العمومية"، مستدلا بذلك على "حالات توظيف الخدمة العمومية لقضاء المصالح الخاصة، وتوسيع دائرة الزبونة الحزبية".
من جهة ثانية يرى أستاذ التعليم العالي ذاته أن "المحدد البيروقراطي مازال يحكم الإدارة المغربية من حيث المركزية وبعض المظاهر السلبية"، لافتا الانتباه إلى المعطى السوسيولوجي المرتبط بالموظف العمومي، "الذي مازال يمانع، وتدعمه في ذلك النقابات التي ترفض كل إصلاح كيفما كان نوعه، ورفضها يأتي بناء على نموذج تقليدي راسخ"، حسب تعبيره.
إلى ذلك يرى المتحدث نفسه أن "النظام الإداري المغربي أمام تحديات أولها ضرورة انخراط كافة الفاعلين لإنجاح الإصلاح الإداري، ونقل هذا النموذج البيروقراطي إلى نموذج تدبيري"، مشددا على أهمية "البعد المرتبط كذلك بالالتزامات الدولية المطالبة بتفعيل الإصلاحات الإدارية".
وتبعا لذلك سجل الباحث في القانون الإداري أن "النظام الإداري المغربي يعيش نوعا من الهجانة، إذ لا هو نظام حافظ على خصوصياته التقليدية البيروقراطية، ولا هو يأخذ من النموذج الجديدة الذي يعيد النظر في الوظيفية العمومية"، مؤكدا أن النموذج الجديد يتجه إلى عدم الاستمرارية في أداء الخدمة العمومية، عبر إحلال مكانها التعاقد الذي يشمل جميع مستويات الإدارة.
و في هذا الإطار نقدم لكم نصوص قانونية تعرف بقانون التعاقد في الوظيفة بالضغط على الرابط أسفله